الأربعاء، 3 أكتوبر 2012

صديق الكوليسترول


صديق الكوليسترول

يجتاح العالم اليوم هوس اسمه مواجهة الكوليسترول، مرض العصر بلا منازع؛ ويلجأ الناس إلى أكبر عملية وقاية هدفها السيطرة على فوبيا تنتابهم؛ فيهرعون إلى أقرب عيادة متخصصة أو إلى أقرب محل للاعشاب للاستئناس بروشتة التنحيف والتضعيف وشفط الدهون وغيرها من حلول مقترحة؛ إلا أن الجميع يريد تجنب مخاطر الكوليسترول، ولكن دون الامتناع عن صداقة المحشي والكوارع والمقالي والبرياني والمجبوس والحلويات وجميع أنواع الشوكلاته؛ السويسري منها والفرنسي وما ظهر منها وما بطن.
هذا الرعب المنتشر كأنه الوباء المعدي، حوّل الانسان إلى مشروع طبيب يدقق في الامور الصحية ويميز بين الغذاء الذي يسبب الكوليسترول وبين سواه؛ وهنالك بعض آخر يحسب عدد السعرات الموجودة في الوجبة الواحدة، وفي اللقيمة التي بات يكتفي بها وينام على جوع ويطلق أحكاما في المسألة ويوزع اقتراحات.

فالبعض يذهب بفكرة الوقاية إلى درجة الخلود، والعياذ بالله، وأن التزام الحيطة في المأكل والمشرب تؤمن له حسب قناعته الحماية التي ينشدها من الامراض ومن تفاعلات الكوليسترول، وتعفيه من الاجل المحتوم، ويكتب لنفسه حياة مديدة خالية من الامراض ومن المنغصات الكثيرة..

وهنالك شواهد كثيرة تثبت العكس؛ فليس صحيحا أن الملتزم بالحمية بمنأى عن المرض والشواهد على ذلك كثيرة؛ فقد تصادفنا في هذه الدنيا مقاربات في غاية الغرابة، إذ قد نجد شخصا أمضى حياته الطاعنة في التدخين ولم يمت من التدخين.

وهنالك إنسان ممتلئ نشاطا وحيوية ومواظب على الرياضة صباح مساء، نراه يسقط صريع مرض ينبغي في حالته أن لا يقع، ونرى على المقلب الآخر شخصا كسولا لا يتحرك ولا يمارس في حياته أية هواية رياضية سوى رياضة الخمول، يمتد به العمر ويبقى خاليا من الامراض المستعصية وغير المستعصية.

هذه ليست دعوة تيئيس، وليست دعوة لعدم الالتزام بمقتضيات القاعدة المألوفة «درهم وقاية خير من قنطار علاج»؛ ولكن مفارقات الحياة لها قانونها الخاص الذي لا يزال العلم لم يفك الا القليل من أسراره، ولهذا فإن الكثير من القناعات الطبية والصحية التي درج عليها الناس عقودا من السنين، نرى أن العلم حاليا يطرح النقيض لها ويعتبرها من العادات الخاطئة، وكل فترة تطالعنا أكثر من دراسة أو بحث حول عادات غذائية وطبية كان الناس يعتبرونها صحيحة ومجدية لصحتهم.

الاعتناء بالصحة شيء جميل ومهم، والوقاية من الامراض وتجنبها هو الآخر ملح ومطلوب، ولكن الخوف من الكوليستول لا ينبغي أن نحرمنا من بديهيات ضرورية رفعها البعض إلى مقام التحريم، وأن يتم كسر القاعدة المألوفة: «كل طعام لذيذ هو خصيم لصحة الانسان».

من قال إن الكوليسترول مصدره فقط فوضى الغذاء؟ فهنالك كوليسترول حميد وكوليسترول خبيث، وهنالك كوليسترول اجتماعي وكوليسترول سياسي.. ويبدو أن الكوليسترول السياسي هو الاخطر، وهو العدو الاول للانسان الذي ينبغي مواجهته بوقاية نفسية ومعنوية مدروسة.. فالكوليسترول موجود في الشارع وفي العمل وفي المقهى، وعلى الرصيف يفاجئ الشرايين الضعيفة ويصيبها بمقتل.

الكوليسترول عنوان يتخذه البعض أحيانا لتغيير بعض العادات الغذائية السيئة التي اكتسبوها، ولكن المهم أن يتم استبدال هذا الكوليسترول الخبيث المتحكم في النفوس، والذي يفرز أدرينالين عصابي مقزز، إلى كوليسترول اجتماعي حميد ونقي، يبث الفرح والوئام والتواصل الانساني الجميل.

لذلك فإن صداقة الكوليسترول ممكنة وجائزة، إذا تواطأ الطرفان على قواعد اشتباك يعرف فيها كل طرف حدوده بالحسنى، عندها فقط لا مشكلة من صداقة الكوليسترول. فالحياة ينبغي أن تستمر أيضا وأيضا بالكوليسترول، فالعدو الذي تعرفه أفضل بكثير من عدو قادم وغامض ينبغي عليك أن تتعرف عليه.


* نقلاً عن "البيان" الإماراتية

0 التعليقات:

إرسال تعليق